3 يونيو، 2025
#الرجل الذي فقد ظله #فنجان قهوة

الشرير الذي لم يجد مخرجاً !

لوحة فنية رمزية لشخصية وحيدة تقف بمعزل في فضاء أبيض بظلال درامية، تعبر عن العزلة وثقل الحكم.

لم أعد أصدّق الأبطال.
ربما لأنني صرت أعلم أن الحكايات التي تُروى لنا ليست كاملة أبدا ً..
وأن ما نراه على الشاشة، أو في الحياة، لا يتجاوز أحيانًا نهاية مشهد مبتور، أو بداية فصل أُعيدت كتابته أكثر من مرة، حتى لم يعد يشبه الحقيقة.

تعلمت – متأخراً – أن في كل قصة تُحكى، هناك تفاصيل تم حذفها عمداً، أو سقطت سهواً بين السطور.
أن هناك جملة لم تُكتب، صرخة لم تُسمع، وقرار لم يُشرح.
وأن كثيراً من الذين نظنهم أبطالا ً، لم يكونوا شجعانا ً بما يكفي… بل محظوظين بأن يُروا في الضوء المناسب.
وكثيراً من الأشرار، لم يكونوا كذلك أصلاً، بل اختُصروا في لحظة ضعف… وجُمّدت صورتهم هناك.

صرت أرى أن الأدوار لا تُختار دائما ً،
وأن الناس لا يمثّلون ما يريدون، بل ما تفرضه الحياة، الظروف، التوقيت، أو الصمت الطويل.
وأن خلف كل “شرير” تقف احتمالات منسية…
وخلف كل “بطل” تقف كاميرا اختارت الزاوية بعناية.

أحياناً، كل ما بين البطل والشرير… هو لحظة واحدة: أن يسأل أحدهم “ما بك؟” قبل أن ينهار كل شيء. لكن لا أحد يسأل. الناس يميلون إلى التبسيط، إلى وضع الأدوار في قوالب جاهزة، لأنهم يخافون المناطق الرمادية. لذلك يتم اختزال حياة كاملة في مشهد واحد… يُؤخذ خارج سياقه، ثم يُكرَّر حتى يصبح هو القصة. أما “البطل”، فكثيرًا ما يكون مجرد شخص ظهرت عليه الكاميرا حين انتصر، لا حين أخطأ. فالزاوية التي نراها تصنع الفرق، والإضاءة التي تسلط عليه تمنحه هالة لم تكن فيه أصلاً. وهكذا، تصنع الحكايات التي نصدقها… لا كما حدثت، بل كما صُوّرت لنا.

أتذكر صديقاً قديماً، كنا نكتب سويا ً مشروع فيلم لم يكتمل. كان يصرّ على أن يمنح الشرير لحظة ضعف واحدة. سألته يوما ً: “لماذا هذا الإصرار؟” فقال: “لأني رأيت مرة طفلا ً يبكي خلف الكواليس، قبل أن يصعد المسرح ليؤدي دور الوحش. لم يكن شريرا ً، فقط لم يُعطه أحد دورا ً آخر.” منذ تلك اللحظة، بتّ أؤمن أن كثيرين في حياتنا وُضعوا في مشاهد لم يختاروها… فقط لأن النص لم يكتب لهم فرصة أخرى.

تذكرت كلامه بعد سنوات، حين رأيت وجوها ً عرفتُها تُعاد كتابتها في ذهني.
أحدهم، كنت أظنه نذلا ً، فإذا به عاشق لم يُفهم.
وآخر، حسبته خذلني، فإذا به رجلٌ غرق في محاولته أن ينجو من نفسه.
البطل قد لا يصل دائما ً، والشرير ليس دائما ً من أراد الأذى…

تصوير فني رمزي لشخصية محاصرة داخل هيكل مظلم، تعبر عن الانفصال وثقل الأحكام.

مثلا ً في ورش الكتابة، يقولون إن كل شخصية تظن نفسها على حق.
لكن في الحياة، لا أحد يُعطى فرصة الدفاع عن مشهده.
نحن نحكم من اللقطة، لا من السياق.
نصفّق للبطولة حين تأتي بصوت عالٍ، وندين الخطأ الذي لا نعرف أسبابه.
ننسى أن هناك من لم يكن يملك غير الخطأ… كخيار وحيد للظهور.

لذلك، صرت حين أكتب – أو أعيش – أحاول أن أتروّى قبل أن أقرر: من البطل؟ ومن الشرير؟
لأني عرفت متأخرًا…
أن بعض الأشرار لم يُخلقوا بقسوة، بل كُتبوا بقلم مرتجف، في لحظة ضعف، حين كان الكاتب نفسه مرتبكًا، خائفًا، أو مستعجلًا لإنهاء المشهد.
لم يكونوا وحوشًا، بل بشرًا توقّف أحدهم عن الإصغاء إليهم قبل أن ينتهوا من الجملة.
وحين فاتهم توقيت البطولة، حُشروا في زوايا النص، وأُعطوا أدوارًا لم يختاروها،
ثم حوكموا عليها وكأنهم كتبوا المصير بأيديهم.

لم يسألهم أحد: ماذا حدث قبلك؟
ما الذي كسر قلبك؟ ومن الذي أخرجك من المشهد دون تفسير؟
ولا أحد قال لهم ذات مرة: يمكنك أن تخرج من دورك… أن تخلع عباءة الشر، وتروي قصتك بصوتك أنت.

لأنك لست مجرد نتيجة مشهد كُتب على عجل،
بل إنسان… لم يُعطَ وقتًا كافيًا ليُفهم.

هذا ليس تبريراً للشر وأدواره،
ولا نقداً للبطولة ومن يتقنها…
 بل محاولة لفهم الإنسان خلف القناع، أياً كان شكله.

وتذكيرٌ بسيط أن الحكايات لا تُروى بعدد فصولها، بل بزاوية النظر إليها.
وأن الإنسان، في لحظاته الأضعف، لا يحتاج محكمة… بل نافذة تُفتح على قلبه، لا على أفعاله.
فالقصص العادلة، لا تكتفي بتوزيع الأدوار، بل تطرح السؤال الأهم:
ماذا لو كنا نحن في مكانهم… دون كاميرا، دون نص، دون جمهور؟

التوقيع

الرجل الذي فقد ظله

الشرير الذي لم يجد مخرجاً !

في حضرة الذين يشبهون نهايتنا

الشرير الذي لم يجد مخرجاً !

الشرير الذي لم يجد مخرجاً !

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Subscription Form